دعك منهم وكن صريحاً مع نفسك !

المتأمل في حال الناس اليوم لايجد الا الشكوى والسخط والضجر ورثاء الحال ..

في رحلتي للحج ، كان الإنتقال سريعاً جداً بين المشاعر ولم تتجاوز اقصى فترة للإنتقال اكثر من عشر دقائق ركوباً بالقطار ..

كنت فرحاً جداً بهذه النعمة التي انعم الله بها على المسلمين بأن سخر لهم وسيلة تريح الحجاج من هم الإنتظار بالساعات في الطريق بين المشاعر ومايصاحبه من إزدحام شديد ، فأنت تتكلم عن انتقال ملايين الحجاج في اوقات متقاربة !

ما أن انتهت رحلة عرفة ومزدلفة وعدت الى مقر الحملة في رحلة الحج ، وقد توقعت ان اسمع الثناء من الساكنين معي في نفس الحملة ، ولكن العكس هو ماحدث تماماً ، فبعد الإنتقال السهل والسريع ، إذا بمن معي يعلنون تضجرهم من هذا القطار الذي توجد مشقة في الوصول اليه ! ، والأخر يقول ان والدته تقول انها لن تركب القطار العام القادم أن كان على هذا الحال !

أخذت انظر اليهم وانا غير مصدق لما أسمعه . بالفعل أنك مهما فعلت فأن مايحكم الإنسان هو طريقة نظرته للأمور ، هاؤلاء لم يروا الصفحة البيضاء ابداً بل رأو النقطة السوداء فيها ،فكيف تقارن درجات قليلة كانت في بداية التفويج فقط ، كيف تقارنها بساعات طويلة من الإنتظار في السابق في الباصات للإنتقال بين المشاعر ؟!

للأسف هذه الطريقة من التفكير متواجدة في كثير من الناس حولنا !

أجلس مع مجموعة من الناس في مناسبة ما ، هل تتوقع ان تسمع ثناء على امور الحياة المختلفة ؟

إن جل الحديث سوف يكون عن الانتقادات  التي باتت امراً طبيعياً للغاية

لن اقول ان عليك ان لاتنتقد ، لكن من الظلم ايضاً ان لانرى في هذه الحياة إلا الأمور التي تزعجنا ، فنعكر على انفسنا صفو حياتنا ونعيش في دائرة الضيق والقلق !

لن اطيل عليك في الحديث ولكن اطلب منك اليوم ان تجلس مع نفسك جلسة هادئة وتسترخي فيها ولاتجعل احد يعكر عليك صفوجلستك ، ثم قم بالتالي …

اخرج ورقة وقلم واكتب كل النعم التي ترى ان الله انعم عليك بها، لاتلتفت لما تظن انه ينقصك فأنا اعرف انك تفكر فيه طوال الوقت ، لكن دع التركيز الأن منصباً على ماتملكه من نعم ترى ان الوهاب اعطاك اياها !

لنبدأ بشكلك

انظر لشعرك ؟ هل هو ناعم ؟

ممتاز هناك من يتمنى ان يكون شعره ناعماً..

ماذا ؟ هل هو مجعد ؟

إذاَ رائع فكم من اشخاص لديهم شعور خشنة جداً يتمنون لو استطاعوا تمشيطها ..

هل شعرك خشن جداً  بالكاد تستطيع تمشيطه ؟

الحمدلله يارجل هذه نعمة كبيرة من الله عليك ، فقد اكلت شعر غيرك الثعلبة ويتمنى لو يرى شعراً فقط يغطي صلعته !

لاتقل لي أنك اصلع الرأس ؟

إذاً احمد الله سبحانه وتعالى ، فهناك من خلع الأطباء قمة جمجمته وأحتفظوا بها لأشهر ريثما يتم علاجه من مرض الم بمخه ، وقد قرأت قصة الرجل الذي خلع الأطباء جزء من جمجمته العلوية في احد قصص الدكتور العريفي عافانا الله واياكم من الأمراض ومصائبها !

تلمس كل ملامح وجهك .. طولك .. جسدك ..

قدرتك على الكلام .. قدرتك على الإحساس بالأشياء من حولك ..

قدرتك على تذوق الطعام ..

هل تستطيع تذكر الحوار الذي دار بينك وبين احدهم قبل ساعات ؟

إذا احمد الله فهناك شخص أصيب بمرض جعله  ينسى الاحداث تماماً كل خمس دقائق مما يضطرة لتسجيل صوته على مسجل حتى يسترجع ماكان يقوله قبل خمس دقائق فقط ويتذكره !

الحمدلله . الحمدلله . الحمدلله

والله اننا في نعم كثيرة نتقلب فيها ليلاً نهاراً صباحاً ومساءاً .. سنة بعد سنة ، لكن من الذي ينظر لها ؟ من الذي يتفكر فيها ؟

الم يقل سبحانه وتعالى ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها …) النحل 18

مهما كتبت وسجلت فلن تحصيها ابداً ، هل رأيت مقدار النعم التي تتنعم فيها ليل نهار ؟

انا وانت ولدنا ومكتوب في سجلات المواليد بأننا مسلمون

ولدنا ونحن على هذا الدين الرباني الذي انار الله به القلوب وشرح به الصدور واعز به الإنسان ورفعه به من ذلك الجهل الى عزة الإسلام  !

كم من  شخص حول العالم تاه وضاع في الحياة ولم يعرف الإسلام الا بعد أن اجتاز الشباب ؟

كم من  شخص اضاع حياته في معاقرة الخمر ، ثم  اسلم وندم لأنه لم يعرف الإسلام قبلاً وبكى على حياته البائسة في الماضي وتمنى لو انه ولد مسلماً ..

يا أخواني والله اننا في نعم لاتحصى

لن اطيل عليكم ولن اذكر لكم أكثر ..

ضع الورقة امامك وسجل كل النعم التي تعرف انك تملكها ويفتقدها الكثير غيرك ، ولاتهمل اي نعمة ، لأن هناك من النعم من لايشعر بها الشخص إلا بعد ان يفقدها  والعياذ بالله ، كالحواس مثلاً ، او الأمان ، او وجود الطعام ، وتوفر الماء ، وتوفر الكهرباء وغير ذلك

إن استشعار نعم الله الكثيرة عليك كفيلة بأدخال السعادة الى قلبك وشعورك بالسكينة والطمئنية ، كيف لا وانت تملك هذا الكم الهائل من النعم !

قال صلى الله عليه وسلم ( من اصبح معافى في جسده ، أمناً في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا )

يسعدني مشاركتك في استبيان المدونة بالضغط هنا  ..

21 comments on “دعك منهم وكن صريحاً مع نفسك !

  1. BookMark كتب:

    أخي صريح
    بارك الله فيك وبارك في جهودك الواضحة لتسليط الضوء على كل نافع
    فعلا فالناس الآن تركز فقط على النقطة السوداء وتنسى الصفحة البيضاء
    ونحن منهم ولا نزكي أنفسنا ..
    بحاجة حقا لمثل هذه المواضيع الإيجابية
    لننتشل أنفسنا من ضيق الأفق إلى سعته ..
    شكرا لك : )

    • صريح كتب:

      العفو ، والمسألة برمتها مسألة تركيز ، حين يغير الإنسان تركيزه من الجانب السلبي للإيجابي يتحول كل شيء تلقائيا ..

  2. متى سأرحل كتب:

    احيانا اشعر اننا نريد الكمال في كل شئ وهذا محال وحتي لو حصلنا عليه لن نرضى ربما هي طبيعة الانسان أو ربما كانت أفكار شيطانيه ترواوده أو قصور من ناحية تقيمه لنعم والممتلكات .

    مع ذلك أفضل شئ نفعله لأنفسنا أن نكون راضين عنها بما فيها من نقص وعيوب

    • صريح كتب:

      العيوب التي لاتؤثر في علاقتنا بالله فلنحاول تقبلها ، اما العيوب المتعلقة بالعلاقة مع الله فليجاهد الإنسان نفسه لتغييرها ..

  3. أنا أشهد ع كل كلمة كتبتها
    الموضوع ذا مرض منتشر بقوة
    شكرا لك

  4. Seema* كتب:

    إرضاء الناس غاية لا تدرك
    إن ربحت الصفوة خسرت العامة وإن ربحت العامة خسرت الصفوة
    سيكون دائمًا حزبٌ معارض
    المهم هو القناعة
    الإمتنان للنعم التي نحضى بها
    بإمكان الكل التذمر لكن ماذا سيغير تذمهم من شيء سوى ازعاج النفس ومن حولها؟
    🙂

  5. هذا حال الناس لن يرضوا مهما صنعت دوما ينظروا للجزء الفارغ من الكأس الممتلي

    اه لو حمدنا الله

    • صريح كتب:

      المهم أن ننظر نحن للجزء الممتليء ، وسوف يحاكينا الأخرين ، وأن يتأثر بك شخص واحد خيراً من ان لايتأثر بك أي احد ..

  6. khulood كتب:

    رائع جداً 🙂
    جزاك الله خيراً

  7. ظمأ القلب كتب:

    حمدلله والشكر !
    والله مايعرف لهم هالناس مافي شي يرضيهم !


    نحنُ في نعم عظيمه لا نشعر بها إلا حين نفقدها ,
    شُكراً صريح كلامك جعلني أستشعر النعم في حياتي أكثر ..

  8. مشاعل كتب:

    بارك المولى فيك ,,
    فعلاً موضوع ممتاز ويحتاج الجميع لقرائته
    ليتذكروا نعم الله عليهم …
    فلنقل هذا الدعاء الجامع ولا ننساه :
    “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك”
    فهو دعاء مبارك…
    جزاك الله فردوساً..

  9. الحمد لله على جزيل نعمه وفضل عطاءه، دعك منهم وكن صريحا مع نفسك..مقالة أبدعت فيها يا سيدي ووفيت وكفيت و لخصت فأحسنت بل لا أقول إنك جمعت فيها كل ما يحتاجه المرء كي يغير نظرته كليا للحباة
    مدونة تستحق أن تكون من المفضلات
    دم بخير

  10. بُشرى كتب:

    اللهم لك الحمد ولك الشكر كل نعمك العظيمة التي لا تعد ولا تحصى !

    {{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاه}}

    بارك الله فيك أخي صريح ، تدوينة رائعة جداً ومدونتك أكثر من رائعة ، تابعتها منذ فترة قصيرة ، فراقت لي كثيراً واستحوزت على اهتمامي، أصبحت من أفضل المدونات لديّ .
    ، أفكارك والمواضيع التي تطرحها وأسلوبك في الطرح ، كلها صنعت منك مدون مبدع بحق !
    جزاك الله خيريّ الدنيا والآخرة

    أتمنى لك التوفيق . 

  11. Samah كتب:

    بارك الله فيك ..

اترك رداً على صريح إلغاء الرد